أحلى شباب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

قصة قصيرة: ثمن العفاف - الجزء الأول

اذهب الى الأسفل

قصة قصيرة: ثمن العفاف - الجزء الأول Empty قصة قصيرة: ثمن العفاف - الجزء الأول

مُساهمة من طرف Mohammad Al Nwihi 2008-08-17, 3:01 pm

انحدرت دمعة ساخنة من عين "أم سامر" في ذلكم الصباح البارد، فبللت خدها وتبعتها دمعة أخرى ، و توالى انهمار الدموع حتى بلل وجهها وعنقها وأخذت تزفر زفرات حارة وتتنهد بمرارة وهي تسترجع ذكرياتها القديمة مع زوجها الراحل ـ أبي سامر ـ رحمه الله ، وتقارن بين حياتها السابقة معه وبين ما آل إليه حالها بعد فراقه .

تذكرت أيام زواجهما الأولى وكيف كانت أحلى وأجمل أيام عمرها ، تذكرت أيام حملها بسامر ورعاية زوجها الحانية لها، واهتمامه الشديد بها حتى وضعت وليده " سامر" ذلك الذي بلغ الستة من الأعوام الآن ، وتذكرت كذلك كيف كان زوجها الراحل مهتما بأحوال بني وطنه من الفلسطينيين فكان أكثر اهتمامه بالأرامل والأيتام وأسر الشهداء والأسرى، يتفقد أحوالهم ويجمع المعونات ويوزعها لهم ولا يفتر بدنه ولا لسانه عن السعي في حاجاتهم ومع كل هذا ورغم أنه لم يكن يزاول عملا من أعمال المقاومة إلا أن المحتلين تربصوا به وقتلوه غدرا وغيلة .

توقفت "أم سامر" عند هذه النقطة وشعرت كأن خنجرا حادا ينغرس في أعماق قلبها فيمنع عنها الهواء ، فلم تتمالك نفسها فدفنت وجهها بين راحتيها وأجهشت بالبكاء والنحيب .

لم تدر كم بقيت على تلكم الحال .....

تبكي وتزفر وتنتحب ، حتى شعرت بيدين صغيرتين تحيطان بعنقها وتكفكفان دموعها، وانتفضت على صوت أمها العجوز المريضة الراقدة بالغرفة المجاورة وهي تناديها : ألا زلت تبكين يا ابنتي ؟ ألا زالت تسترجعين ذكرى زوجك وتنتحبين؟ لقد توفي زوجك رحمه الله منذ عامين ولا زلت تبكينه؟

ألا تتصبري قليلا وتسألي الله له الرحمة؟

ألست راضية بقضاء الله تعالى وقدره؟

هيا قومي يا بنيتي فقد حان وقت المدارس، قومي وأيقظي ولدك وجهزيه وأوصليه إلى مدرسته ولا تشعريه بحزنك كي لا يبكي وينتحب وتضيعي عليه يومه .

لم تكن الجدة الحنون تدري ساعتها أن " سامر" قد استيقظ وأنه الآن ممسك بعنق أمه بيد، ويمسح دموعها باليد الأخرى في صمت وحنان.

أجابت "أم سامر": حسنا يا أمي سأقوم وأجهز سامر للمدرسة .

ثم قالت في نفسها: ولكنك يا أمي لا تدرين أبدا سبب بكائي هذا الصباح ـ بل وفي الأيام الماضية ...

إنه أمر رهيب ... مزعج ... مقلق ...

أمر يجرح كرامة كل امرأة مسلمة

وكل عربية أبية حرة

إنه أمر لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى

و " سامر" الصغير ذي الأعوام الستة

وكذلك أمه الصابرة .



*** *** ***



غاصت "أم سامر" مرة أخرى في بحر الذكريات بينما كانت تعد ولدها للخروج إلى المدرسة...

إن أمها الطيبة تظن أن سبب بكائها هو حزنها الشديد على فراق زوجها

وصحيح أنها حزينة على فراقه

وصحيح كذلك أنها تبكي كثيرا لأجل ذلك

ولكن ليس هذا سبب بكائها في الأيام الماضية

وفي هذا اليوم بالذات

إن "أم سامر" امرأة شابة

في منتصف العشرينات من عمرها ، وهي وحيدة والديها

وكان لها أخ واحد وقد قتل في سجون الاحتلال قبل سنوات

وقد توفي والدها قبل سبع سنوات

وليس لها أقارب في مدينة غزة حيث تسكن

بل ليس لها أقارب في كل فلسطين

سوى عم واحد يعيش مع أسرته ـ أو ما تبقى منها ـ في الضفة الغربية

وأهل زوجها منهم من يعيش بالأردن ومنهم من يعيش بلبنان

كسائر الأسر الفلسطينية المهجرة ،

إذن "فأم سامر" ليس لها من يحميها من الرجال ...

وهاهنا تكمن مشكلتها !!!



*** *** ***

"أم سامر" توصل ولدها كل يوم إلى المدرسة
وتقطع معه ـ سيرا على الأقدام ـ كل يوم طريقا طويلا يوصل إلى مدرسته
وفي ذلك الطريق ، تقف وترابط دائما عند تقاطع أحد الشوارع ، دورية من دوريات الاحتلال ، تتكون من جنديين على سيارة جيب

وقد اعتاد أحد هذين الجنديين ، وهو أكثرهما وقاحة ، اعتاد دائما أن يتعرض"لأم سامر" بالمعاكسة والمغازلة

يا للقذارة ويا للوقاحة

رغم أنها مسلمة ملتزمة بدينها وحجابها

ولا يظهر من بدنها أي شئ على الإطلاق

ورغم أنها تمشي دائما في أقصى جانب الطريق الآخر

ولا تتوسط الطريق أبدا

إلا أن ذلك الجندي القذر قد اعتاد أن يعاكسها

وأن يسمعها كلمات الفحش والبذاءة

وهي لا تفعل شيئا سوى أن تستعيذ بالله منه

وتسرع الخطى لا تلوي على شئ ، هاربة بعفتها وحيائها

وقد تمادى ذلك الحقير كثيرا في غيه

حتى أصبح يقترب منها ويحاول أن يعترض طريقها

ولكنها كانت دائما تسرع وتلوذ بجانب الطريق وتفلت منه

وما أحقر ذلك الجندي ، وما أقذره وكأنه يدرك أنها امرأة ضعيفة

ليس لها من يحميها ويدافع عنها ، لذلك يتعرض لها



*** *** ***



ـ هيا يا ابنتي إلى متى تستغرقك هذه الأفكار والخواطر ؟
ستفوتي على الولد مدرسته !

تعالى صوت أمها يستحثها على الخروج
avatar
Mohammad Al Nwihi
ادارة المنتدى
ادارة المنتدى

ذكر
عدد الرسائل : 5349
العمر : 35
البلد : الأردن
الوظيفة : طالب جامعة - بكالوريوس إدارة أعمال - سنة ثالثة
المزاج : حسب الظروف
الأوسمة : قصة قصيرة: ثمن العفاف - الجزء الأول A7lawesam2008_2

بياناتك الشخصية
حدثنا عن نفسك: أشياء تتقن فعلها

https://a7lasbab.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة


 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى