أحلى شباب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

قصة قصيرة: ثمن العفاف - الجزء الثاني

اذهب الى الأسفل

قصة قصيرة: ثمن العفاف - الجزء الثاني Empty قصة قصيرة: ثمن العفاف - الجزء الثاني

مُساهمة من طرف Mohammad Al Nwihi 2008-08-17, 3:03 pm

فردت عليها "أم سامر":

ـ حسنا يا أماه هأنذا قد فرغت من تجهيز سامر وسأخرج به إلى المدرسة ، ولكني لا بد أن أعطيك الدواء قبل أن أخرج . وأردفت قولها بأن هرعت إلى الثلاجة وتناولت منها زجاجة الدواء، ثم اندفعت في سرعة لخزانة المطبخ لتأخذ منها ملعقة، ثم هرولت إلى غرفة أمها لتقدم لها الدواء وهي تقول :

ـ بالشفاء والعافية يا أمي .

ردت أمها :

ـ جزاك الله خيرا يا ابنتي وأسال الله تعالى أن يبقيني حتى أرى اليوم الذي يكبر فيه " سامر" ويصبح رجلا تقر به عينك .

قالت "أم سامر" في تأثر :

ـ نعم يا أمي، أطال الله عمرك في طاعته وأقر عينك برؤية " سامر" ، وأبناء " سامر" ، وأبناء أبناء " سامر"!

ضحكت الأم وهي تزدرد ما بقي من طعم الدواء في حلقها وقالت :

ـ أبناء أبناء " سامر" ؟ إذن يطول عمري وأسأم يا بنيتي .

أجابتها الإبنة البارة في صدق وهي تطبع قبلة حانية على جبينها وتستعد لمغادرة المنزل:

ـ ولكننا لن نسأم منك أبدا يا أعظم أم في الوجود، والآن سأنصرف لأوصل " سامر" إلى المدرسة .

ـ حفظك الله ورعاك يا بنيتي .



خرجت "أم سامر" من عند والدتها، ونادت على ولدها وأمسكت بيده وهي تهمس في أذنه :

ـ كما اتفقنا دائما يا " سامر" ، مهما حدث لنا في الطريق، فلن نخبر ( سِتُّو ) أبدا بشئ، إنها مريضة وسيزداد مرضها ولن يحتمل قلبها الضعيف لو علمت بأي شئ.

رد " سامر" في طاعة :

- وهو كذلك يا أمي، ولكن قولي لي ، ماذا يريد ذلك الجندي الحقير منا؟ كم مرة أود لو أضربه وأفقأ عينه البغيضة بحجر ، ولكنك دائما تمسكين بي وتمنعينني من ذلك .

ردت أمه في حزم وهي تضمه إليها في قوة :

ـ لا يا ولدي ، لن تفعل ذلك الآن

إنني أدخرك ليوم آخر ،ليوم تكبر فيه وتصبح رجلا شجاعا وشابا قويا لتنتقم لأبيك، وتساهم في تحرير الوطن، يا ولدي الحبيب .



**** **** ***



خرجت "أم سامر" إلى الطريق، وأخذت تردد دعاء الخروج من المنزل في خشوع :

" بسم الله ، توكلت على الله ، ولا حول ولا قوة إلا بالله، اللهم إني أعوذ بك أن أضل أو أضل، أو أزل أو أزل، أو أجهل أو يجهل علي، أو أظلم أو أظلم "



وبقيت طوال الطريق تتلو آيات من القرآن الكريم و تتمتم ببعض الأدعية والأذكار، علها تطمئن وتثبت قليلا .

أخذ الشارع الكئيب يقترب شيئا فشيئا، وكلما اقترب ذلك التقاطع الذي ترابط فيه الدورية؛ كلما انتفض قلبها وزاغ بصرها وجف حلقها وتسارعت أنفاسها وبردت أطرافها .

حتى لاحت لها تلك السيارة البغيضة من بعيد، وبقيت "أم سامر" المسكينة تمشي بخطى متثاقلة، رويدا رويدا وهي تتمنى ألا يراها ذلك الجندي الحقير، كانت في حالتها تلك كلص يتسلل خفية لكي يسرق شيئا، أو كطفل صغير يمشي على أطراف أصابعه ليفعل شيئا دون أن يحس به والداه...


لك الله يا "أم سامر" ، فلكم قاسيت في هذه الحياة !



*** *** ***



اقتربت "أم سامر" من مكان الدورية، وانزوت إلى جانب الطريق وأشاحت بوجهها بعيدا كنعامة تدفن رأسها في الرمال وتظن أن أعدائها لا يرونها مادامت لا تراهم، أو أنها ستصبح بذلك بمفازة منهم ... ولكن هيهات فلم يكد الجندي يلمحها حتى هرع ناحيتها واعترض طريقها وبقي يرمقها بنظرات صفيقة وقحة وهو يلقى إليها بعبارات الغزل البذيئة :

ـ إلى أين يا شميل ؟ أي ( يا جميل ) ، وين بتروخي؟

إرفأي الغطا هاي، خللي نشوف الوكه ( الوجه ) الهلو !

آآآآه يا بنات الأراب ، آآآآه من بنات الأراب .



انكمشت "أم سامر" في ذعر وتقزز من عباراته القذرة وأخذت تحاول الهرب من طريقه وهي تمسك " سامر" في قوة والذي كان في هذه اللحظة يتفلت منها ويحاول أن يأخذ حجرا ليضرب به الجندي ، ولكنها لم تمكنه من ذلك إلا أنه أخذ يصرخ بأعلى صوته :

ـ يا يهودي ياقذر ...

يا كلب ، ابتعد عنا .... ماذا تريد منا ؟



أخذ الجندي يضحك ويقهقه من صراخ " سامر" ويقول له :

ـ ماذا تقول أيها الكتكوت؟ ماذا تقول يا أرابي يا فأر ؟

وأخذ يقترب منهم شيئا فشيئا ، حتى إذا صار على بعد خطوة واحدة منهم ، أقدم على فعلة حقيرة ارتجفت لها "أم سامر" في شدة ...

لقد مد الجندي الحقير يده ناحيتها يريد أن يلمسها

ولثانية واحدة تجمد الموقف كله

أصبح شكل "أم سامر" وهي واقفة تحدق في الجندي في ذهول

وتضم ولدها إليه بقوة كتمثال مصمت لا حياة فيه

ويد اليهودي تمتد ناحيتها شيئا فشيئا

وحينما كادت اليد الآثمة النجسة تمسها صرخت "أم سامر" صرخة قوية

وتراجعت في هلع خطوات إلى الوراء

وأخذ الجندي يضحك ويقهقه في صفاقة ويقترب منها مرة ثانية

ولكن فجأة جاء الفرج من السماء

وقد تمثل في دورية من دوريات المحتلين ظهرت فجأة وفيها أحد الضباط

فانتفض الجندي في ذعر وتجمد لحظة يحدق في الدورية، كانت كافية لأم سامر كي تسحب ولدها وتفر من أمامهم خائفة مذعورة .

وسبحان الله ، يا للأقدار المحكمة ، أن تكون نجاتها على يد دورية من دوريات أعدائها

فلم يكن مبعث خوف ذلك الجندي من توبيخ سيوجهه إليه الضابط ، أو من عقاب سينزل به، كلا فالمحتلون بضباطهم وجنودهم وقادة جيشهم يباركون مثل هذه الأفعال القذرة ، ولكنه الخوف الفطري الذي يقع في نفس كل إنسان حينما يفعل أمرا منكرا والأهم من كل ذلك أن الله تعالى قد قذف الرعب في قلب الجندي لرؤية رئيسه، رحمة بهذه المسكينة [ سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب بما أشركوا بالله مالم ينزل به سلطانا ومأواهم النار وبئس مثوى الظالمين ] سورة آل عمران الآية رقم (151) .
avatar
Mohammad Al Nwihi
ادارة المنتدى
ادارة المنتدى

ذكر
عدد الرسائل : 5349
العمر : 35
البلد : الأردن
الوظيفة : طالب جامعة - بكالوريوس إدارة أعمال - سنة ثالثة
المزاج : حسب الظروف
الأوسمة : قصة قصيرة: ثمن العفاف - الجزء الثاني A7lawesam2008_2

بياناتك الشخصية
حدثنا عن نفسك: أشياء تتقن فعلها

https://a7lasbab.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة


 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى