رغم أن السلطة و"إسرائيل" مصممتان على التفاؤل

تعهد مسؤولون "إسرائيليون" وفلسطينيون بمواصلة السعي من أجل الوصول الى اتفاق تسوية بحلول الموعد النهائي الذي حددته واشنطن وهو نهاية هذا العام، على الرغم من إعلان رئيس الوزراء "الإسرائيلي" ايهود أولمرت أنه سيتنحى، بينما يرى الفلسطينيون العاديون أن بقاء أولمرت أو رحيله سيان، إذ إن لا اختلافات بين رئيس وزراء "إسرائيلي" وآخر. وألقى إعلان اولمرت انه سيستقيل بعد ان يختار حزبه الحاكم زعيما جديدا في سبتمبر/أيلول بظلاله على مباحثات ثلاثية بين وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس ووزيرة الخارجية "الإسرائيلية" تسيبي ليفني ومفاوضين فلسطينيين. وقالت وزيرة الخارجية "الإسرائيلية" تسيبي ليفني إنها ستواصل السعي جاهدة من اجل التوصل الى اتفاق "سلام" مع الفلسطينيين هذا العام رغم عدم اليقين في السياسة "الإسرائيلية" الداخلية.



وقال المفاوض صائب عريقات للصحافيين بعدما اجتمع مفاوضون "إسرائيليون" وفلسطينيون مع رايس "قررنا أن نواصل السعي من أجل الوصول لاتفاق قبل نهاية العام". وأضاف "في النهاية فإننا كفلسطينيين نريد السلام مع كل "الإسرائيليين" لا مع ذلك الحزب أو ذلك الشخص". وقال إن رايس ستعود الى المنطقة في 20 من أغسطس/آب من أجل المزيد من المحادثات.



وهناك شكوك بالغة لدى "الإسرائيليين" والفلسطينيين ومحللين مستقلين في وجود أي فرصة لتحقيق هدف الرئيس الأمريكي جورج بوش "حل كل القضايا المعلقة" قبل أن تنتهي رئاسته في يناير/كانون الثاني عام 2009. وعلى الرغم من الشكوك التي تحيط بهذه "الفرصة" فإن رايس قالت إنها ستمضي قدما في هذا السعي وهو شعور ردده أيضا البيت الأبيض. وقالت رايس لصحافيين بعد مباحثاتها "القضايا صعبة وكانت دائما صعبة ولا شيء غريبا في ذلك لكن.. الهدف باق كما هو". وقال عريقات ان الفلسطينيين لن يسمحوا لهذا الموعد المستهدف أن يدفعهم الى اتفاق جزئي قائلا إنهم يسعون الى اتفاق حول كل قضايا الوضع النهائي أو لا اتفاق على الإطلاق.



وكان أولمرت قال الاثنين إن الوصول الى اتفاق كامل يتضمن القدس ليس ممكنا هذا العام لكن قد يتيسر تضييق فجوة الخلافات في مسائل الحدود واللاجئين. وقال عريقات للصحافيين "لن نسمح للوقت بأن يكون سيفا مسلطا على رقابنا". وأضاف "المهم هو الجوهر".



وقال الرئيس الفلسطيني محمود عباس، أمس، في تونس إنه سيعمل "مع أي رئيس وزراء "إسرائيلي". وأضاف عباس خلال مؤتمر صحافي في ختام زيارة لتونس "نحن نتعامل مع رئيس الوزراء "الإسرائيلي" المنتخب لذلك نستمر في التعامل مع ايهود اولمرت الى ان يأتي غيره وسنتعامل مع من يأتي بعده". ووصف عباس قرار اولمرت بالشأن الداخلي مضيفا "نحن لا نتدخل في الشؤون الداخلية "الإسرائيلية". وحول مفاوضات السلام الثنائية والثلاثية الجارية حاليا في الولايات المتحدة أشار الى غياب أي اختراق. وقال "الملفات الستة للمرحلة النهائية موجودة على الطاولة ولم نستطع حتى الآن إنهاء أو إقفال أي منها". وعقد في المقابل آمالا على الإدارة الأمريكية الجديدة المقبلة. وأوضح "سمعنا من المرشحين (للرئاسة الأمريكية) انهما سيستأنفان التحاور مباشرة حال الوصول الى البيت الأبيض"، مضيفا "ولن ينتظر سبع سنوات حتى يعود مرة أخرى الى المفاوضات كما قال لنا أحدهما"، في إشارة إلى المرشح الديمقراطي باراك اوباما.



وقال نبيل أبو ردينة المتحدث باسم عباس أيضا إن هذه التطورات هي شأن "إسرائيلي" داخلي. وقال لصحيفة الأيام الفلسطينية إن الفلسطينيين سيعملون مع أي رئيس وزراء في "إسرائيل" لأن المهم هو الاستمرار في عملية "السلام".



ورحبت حركة "حماس" بإعلان أولمرت، وقال سامي أبو زهري المتحدث باسم الحركة في تصريحات للصحافيين في غزة إن هذا الإعلان ضربة لفريق التسوية في السلطة الذي ربط مصيره بمشاريع التسوية وافتراض إمكان وجود فرصة لقيام دولة فلسطينية في نهاية هذا العام. ووصفت حركة الجهاد الإسلامي قرار أولمرت بأنه "إنجاز جاء نتيجة للحرب غير الحاسمة التي اندلعت في صيف عام 2006 بين "إسرائيل" وحزب الله ويعد انتصارا للصواريخ الفلسطينية التي تنطلق من غزة.



من جانبه أكد النائب مصطفى البرغوثي الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية ان إعلان اولمرت اعتزال الحياة السياسية ليس فقط اعترافا بالفساد الشخصي بل أيضا اعتراف بالفساد الذي يمس كل النظام السياسي. وأضاف ان اعتزال اولمرت يمثل أيضا اعترافا بالفشل الكبير في حربه الإجرامية ضد لبنان وتلك الجرائم التي يشنها جيش الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني.



وقال المتحدث باسم أولمرت مارك ريجيف "إننا ملتزمون باستمرار عملية السلام".



كما قال مسؤول مقرب من اولمرت ان الأخير سيحاول التوصل الى اتفاق في المحادثات مع عباس قبل ان تتولى السلطة حكومة "إسرائيلية" جديدة. وقال المسؤول الذي طلب عدم نشر اسمه ان اولمرت ينوي "التوصل الى اتفاق مع الفلسطينيين في الفترة المتبقية له". وأضاف "أي اتفاق سيتوصل له مع الفلسطينيين لن يكون اتفاقا شخصيا وسيعمل على ضمان اطلاع زعيم "كاديما" الجديد عليه وضمان موافقته".



ويقول محللون وسياسيون فلسطينيون إن أهم ما يقلق عباس هو إجراء انتخابات "إسرائيلية" مفاجئة قد تأتى الى السلطة بزعيم حزب الليكود المعارض بنيامين نتنياهو. وقال حافظ البرغوثي رئيس تحرير صحيفة "الحياة الجديدة" إن عباس سيتعين عليه أن ينتظر عاما آخر على الأقل. وقال عبد الرحيم ملوح نائب الأمين العام للجبهة الشعبية إنه لم يعد هناك طائل من المفاوضات سواء في وجود اولمرت او عدم وجوده. واشار الى قرار اولمرت المضي قدما في بناء المستعمرات داخل وحول القدس باعتباره أمراً محرجا لعباس. وقال المحلل الفلسطيني هاني المصري ان وهم التوصل الى اتفاق سلام يتلاشى الآن. وأضاف أن عباس قد يحول تركيزه الآن من المحادثات مع "إسرائيل" الى المصالحة مع حركة "حماس".



الفلسطينيون العاديون يرون أن خروج اولمرت من الساحة السياسية أمر غير ذي صلة، حيث علمتهم التجربة المريرة أن الاختلافات بين القادة في "إسرائيل" لا تتعدى الأسماء. فبالنسبة لفلسطينيين كثيرين تأتى الحكومات "الإسرائيلية" الى السلطة وتخرج منها من دون اقتراب من تحقيق السلام. وينظر فلسطينيون كثيرون الى حديث اولمرت عن اتفاق سلام باعتباره لا يزيد عن مجرد كلام لإرضاء حلفاء "إسرائيل" في واشنطن. وقال أبو العابد أبو كرش التاجر الذي يبلغ من العمر 43 عاما وهو من مدينة غزة إن كل الزعماء "الإسرائيليين" متشابهون. هل حدث أي شيء منذ سنة 1993؟"، في إشارة الى اتفاقات اوسلو. ورغم حديث مساعدي اولمرت حول نيته التوصل الى اتفاق "سلام" مع عباس قبل ان تتولى حكومة "إسرائيلية" جديدة السلطة، إلا ان "الإسرائيليين" والفلسطينيين على حد سواء تساورهم الشكوك. وتساءل عماد صالح وهو مهندس يبلغ من العمر 37 عاما من مدينة رام الله "اذا كان (اولمرت) لم يستطع التوصل الى اتفاق سلام وهو في وضع جيد فكيف سيستطيع عمل ذلك الآن؟ وقال محمد الجمال وهو من سكان مدينة الخليل ان التغييرات في السياسة "الإسرائيلية" تجعل التزامات اولمرت لا قيمة لها.