صحيفة الخليج الإماراتية: "لماذا ينتحر المهاجرون اليهود؟"

من طرف **Mohammad Al Nwihi** 2009-02-01, 1:16 pm

خيري منصور - صحيفة الخليج الإماراتية

يناير/كانون الثاني هو أقسى الشهور في التقاويم العبرية، حيث ترتفع خلاله نسبة الانتحار بين المهاجرين من روسيا وأثيوبيا على وجه التحديد، هذا ما يفتضحه الكاتب نوعام تلمور بناء على تقارير واستطلاعات تقوم بها وزارة الصحة في الدولة الصهيونية.

منذ عام 2004 وقعت في مختلف المدن والمستوطنات أكثر من أربعة آلاف محاولة انتحار، ويمكن تسجيل أربعمائة حالة انتحار سنوياً، وكما يقول الكاتب، فإن أكثر من أربعين في المائة من المنتحرين ينفذون الانتحار عن طريق الشنق مقابل خمسة وعشرين في المائة ينفذونه بالرصاص.

فالمهاجرون اليهود إلى أرض فلسطين لا يعرفون ما يسمى طريقة الساموراي في قتل الذات، أو أية طريقة ذات صلة بالفروسية، ذلك لأن معظم المهاجرين خصوصاً من روسيا ومن يهود الفلاشا يشعرون بالخديعة ويكتشفون بعد فوات الأوان أن الفردوس الذي تم إغراؤهم بالقدوم إليه هو الجحيم بعينه، فمن المعروف أن دوائر الإعلام الصهيوني تبذل الكثير من المال والجهد لتزيين الهجرة وتصويرها خلاصاً، لكن المهاجرين سرعان ما يكتشفون أن أرض الميعاد هي "بيلارس"، كما وردت في الأساطير، وكما قدمها الشاعر والمسرحي بروتولت برخت في إحدى قصائده، بيلارس هذه يقال إن من يصل إليها يشفى من البَرص، ويحقق الوصال مع كل الأشياء التي حرم منها، فالفقير يغتني والشقي يسعد... لكن الناس يكتشفون ذات صحوة من الغيبوبة أن بيلارس أصابها الزلزال، وإذا أضفنا ظاهرة الانتحار التي تحدث عنها الكاتب نوعام تلمور إلى ظاهرة التهرب من الخدمة العسكرية وبيع بعض الجنود أسلحتهم في السوق السوداء، يكون المشهد الجحيمي قد أوشك على الاكتمال.

وما نقوله ليس مجرد تفكير رغائبي أو تمنيات معزولة عن الواقع، لأن هذه الظواهر تدرس في الجامعة العبرية وفي مختلف الاستطلاعات التي تقوم بها مؤسسات ومعاهد، لكن معظمها يتم بسرية تماماً كما طوي ملف سؤال الهوية اليهودية بعد أن تباينت بل تناقضت مصالح اليهود في الداخل والخارج حول أقانيم هذه الهوية وشروط استكمال نصابها التاريخي.

وأسباب تصاعد عدد المنتحرين اليهود بين المهاجرين يصعب اختزالها في الصدمة التي تكشف الهوة الهائلة بين الوعد والمتحقق في الواقع.

المستوطنات ليست آمنة، وليست أيضاً تلك اليوتوبيا التي بشر بها دعاة تهجير اليهود من السياقات التاريخية والجغرافية التي يعيشون فيها إلى فلسطين.

أما أغرب ما يورده الكاتب حول ظاهرة الانتحار في الدولة العبرية، فهو متعلق بالأطفال، يذكر أن أكثر من عشرين طفلاً حاولوا الانتحار بين عامي 1999 و2002، أما معظم من انتحروا عام 2004 فقد كانوا دون سن الرابعة والعشرين، بخلاف ما يحدث في معظم دول العالم، حيث يكون المنتحرون في الأغلب من كبار السن واليائسين ومن لا يطيقون أمراض الشيخوخة ووحشتها.

ويبدو أن هناك المزيد من القرائن والمؤشرات لارتفاع نسبة الانتحار في الأعوام القادمة، لأن العدمية بدأت تتفشى في صفوف مجتمع يعيش داخل شرنقة عسكرية وهذا أمر مضاد للحياة والطبيعة والتاريخ.