أحلى شباب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

صور أرسطو وأصحابه ... الصورة والعلة !!!

اذهب الى الأسفل

sp صور أرسطو وأصحابه ... الصورة والعلة !!!

مُساهمة من طرف Mohammad Al Nwihi 2008-11-09, 4:31 pm

صور أرسطو و وأصحابه
الصورة والعلة



أذكر، بكثير من الأسف، وأنا الآن أستاذ ، صورة الأستاذ الجامعي الكبير، وهو يشرح لنا، بكثير من السخرية، رأي أرسطو في العلل: العلة الفاعلة، العلة المادية، العلة الصورية، العلة الغائية؛ أيمكن أن يكون أرسطو ساذجا إلى هذه الدرجة!؟ علة غائية؟ كأن الفئران قد خلقت بغاية أن تأكلها القطط، كأن البسطاء قد وجدوا لتستغلهم "البورجوازية"، كأن الوجود، كأن الإنسان غاية نفسه، أو لم يخلق إلا ليكون "جنديا" في جماعة!؟
وهذه العلة المادية، كيف يمكن أن تكون علة، كيف يمكن أن توجد علة الكرسي أو السرير أو الطاولة في الخشب الذي يصنع منه؟الخشب يصنع ذاته! الإنسان علة الإنسان ! والنار علة النار! ياللسذاجة والبؤس الفكري! من أين يأتون بكل هذا الهراء؟
"تفاهات المثالية" وتشويهات الميتافزيقا لدى أرسطو، وكل المثاليين، "برغم وجود عناصر مادية، تقدمية، في فلسفته!"
وكيف نقبل أن تكون الصورة علة: صورة القلم علته!؟ كيف؟ كأننا لا نبتدع الصور ونتفنن في تجديدها إلا من أجل الصور، بأمر من الصور!
ليس هناك إلا علة واحدة: الصانع، الفاعل، الإنسان سيد وجوده ومصيره، بالعقل، بالعلم والتقنية، بالتمرد والثورة! الباقي كله أباطيل متافزيقية، مثالية، أساطير الأولين من اليونانيين و الشرقيين والغربيين!
لم نكن نستطيع أن نفهم أن الصورة، من منظور التحليل النفسي مثلا، الذي اعتبرناه " سياسة البقرة"، " مصيدة أخرى من مصائد الرجعية"، تسيطر على أكثر من 90 في 100 من مكونات الذات وأنها، بالتالي، سبب فاعل أول، ولا أن هناك عالما للغايات أقوى من الحاجات، ولا أن المادة وصورها المختلفة، في ما يسمى بالعناصر الأربعة، مثلا، هي الأصل الأكبر لمعارفنا وانفعالاتنا: لقد كان أرسطو، ومن تبعه من العجم والعرب، شعراء غلب عليهم التفلسف!
وكذلك كانت أغلب الفلسفات قبل القرن الثامن عشر، قبل نضج المادية التي لم تكن سوى "وضعية ثورية" : إما "العلم الفاتح الغازي" وإما "الميتافزيقا المستلبة"، والعلم نموذجه الفزياء الظافرة التي هي صياغة رياضية للكون، والمتافزيقا، والفلسفة عموما، إما فيها ما هو قابل لأن يكون علما، فتصبح سوسيولوجيا، مثلا، وإما أنها أوهام فلاسفة وكهنة؛ مع أن حتى في "العلم"، الذي صرنا نقدسه،كل الواقع صورة : معادلة رياضية؛ يجب أن يجعلنا العلم سادة ومالكين للطبيعة، يقول ديكارت!
فكيف لا تكون الطوبى، أية طوبى، دنيوية أو قدسية، علمية أو غيرها، أكثر من صورة، مجرد مجرة من الصور؟
وهذه الصور التي تسكننا حتى نجن، كأنها الجن حقا، ماذا نفعل بها، نتركها لأطبائنا، الذين لا يعرف أغلبهم عنها شيئا، أم ندع أمرها للعرافات والكهنة والمشعوذين من كل نوع؟
الواقع أننا كنا نتحرك، نفكر ونعمل، "بصور" أخرى فقط، صور يمكن إجمالها في مجمع واحد للصور، أي في شعار، لا يقل بدائية، أو أصلية، أي تجذرا وعتاقة في ذواتنا، من أي شعار آخر : المساواة، والحرية، أوالكرامة، السعادة التي ستتحقق لأوسع فئات الشعب، للجماهير عن طريق الرؤية العلمية، الثورية؛ في كل مكان، وزمان، يتحرك الإنسان بنفس الصور، بنفس الشعارات معدلة، منقحة، ناقصة أو مزيدة، لكنها واحدة، و" أنبياؤنا " بالأمس ك" أنبيائنا" اليوم : يشدوننا إليهم، وإلى أنفسنا، بصور السعادة التي بها اكتمال الإنسان!
كنا نتحرك إذن، وكما يتحرك شباب اليوم، أو شيوخه، كما ينفعل الناس في كل مكان وزمان، بنفس الصور، أو الشعارات، بنفس الأحلام الإنسانية، الجوهرية، الأصلية، الكونية، الخالدة : يتقدم إنسان، أو يعود إلى الوراء، بقدر امتلاكه، أو تملكه، كما وكيفا، وعيا ولاوعيا، لنفس الصور الكونية، الصور الأولية، الخالدة !
وسواء اعتبر بعضنا نفسه نبيا ورسولا أو كان يتصرف فقط كمجرد "جندي"، أو " فرد" عاد، في الجماعة، فإن هذه الجماعة ذاتها لم يكن قيامها ممكنا بدون تلك الصور، بدون "مجرة الشعارات" الخالدة والفاتنة، بسبب عتاقتها، وبالتالي درجة اللاوعي العظيمة فيها : كأننا كنا نفكر ولا نفكر، كأننا كنا نغرف من هذه الصور لنفكر، نستمد منها المعنى والطاقة لنتصرف، كأن المطلوب الحقيقي لم يكن في أن نفكر، وإنما في أن نفعل ونحلم، كأن ماركس كان يقصد أتباعه وهو يقول، ونحن نردد : كل ما فعله الفلاسفة أنهم فسروا العالم بينما كان عليهم أن يغيروه؛ لا يتغير العالم بالتفسير، بتعقله فقط، ولكن بالحلم، بالرغبة، بالتمسك بالصور الأصلية الفاعلة في الإنسان، الداعمة، والمحفزة، والمبررة، وهي القليلة، الغامضة الفاتنة، أكثر من مئات الأفكار، أكثر من أشد الأسلحة فتكا !
ولنتأمل ما تفعله صور الحب، والسعادة، في بعض الناس، فينا جميعا، وما تفعله صور الجاه، والغنى، والترف، والتحرر من الحاجة، عند أناس آخرين، وربما عندنا كلنا، وكيف قد تتحول إلى" أوهام"، تصير إلى أضدادها : يسعى الواحد منا، طول عمره، بحثا عن المال، أو الحب، أو السعادة، أو الترف، أو المجد...فيتحول الغنى إلى تكديس، أو بخل، ويصبح الحب وحدانية، والسعادة شقاء، والترف استهلاكا وواجهة؛ نمر على " الواقع"، على " الإنجاز"، ونظل نجري خلف الصورة، خلف الشعار، كأن " الإنجاز " لم يكن هو المطلوب، لا يفتن، ولا يغني، كأن الصور، وهي خيال، ظل لا يطال، متعتنا في أن نجري وراءه ولا نطاله : عمل سيزيف لم يكن عبثا إلا من زاوية " وضعية"‍!
لقد قيل، في مثل هذه الحال : " طوبى للبسطاء ! " و" طوبى للفقراء !"، لكل من قر عينا فاكتفى، وعف، وتواضع، وزهد أو اعتزل: صور !
هذه بدورها ليست أكثر من صورة، أو شعار، فالذي قر عينا قد مات وشبع موتا، قد خلا من الإحساس والرغبة، من الحلم، من إغواء الصور، أي من الحياة. وبعبارة أخرى: اختار صورا أخرى، أو استسلم، فالصور تقتل الصور، فصور التجميد، أو مبدأ الموت تقتل صورا أخرى، صور الحركة أو الرغبة الأصلية، أي مبدأ الحياة!
أما هؤلاء الذين مازالوا بيننا فإن كل ما فعلوه أنهم عدلوا الصور، حولوها، نوعا ووجهة وغاية، ليقروا عينا بها، أي ليتصرفوا فيها بطرق أخرى، لينعموا بها بأشكال أخرى، ولكن غائيتهم تظل واحدة، تحكيها ذات الصور : السعادة وإن كان من الصعب أن يكون المرء سعيدا بفقره وجهله؛ الصور تفقر أو تغني، تسعد أو تشقي، تقوي أو تضعف، تشفي أو تمرض : كل الأمراض النفسية بسبب الصور، كل حالات الصحة والقوة من الصور؛ الغنى الحقيقي، كالفقر الفعلي، في الصور!
نكيف الصور، وتتكيف الصور معنا، حسب الثقافات، والأوساط، حسب العصور، والفصول، حسب الأيام، والساعات، حسب الأمزجة، وحالات الصحة والمرض، حسب مراحل العمر، ولكن هل تختفي صور السعادة، هل تموت صور الحب، مثلا، حسب هذه العوامل ؟ ليس للصورة عمر، ولا تاريخ، إلا عمر، وتاريخ، من يحلم بها، من يعيش بها سعيدا أو شقيا، حيا أو ميتا، إلا عمر الثقافة أو تاريخ الحيوان !
غير أن الصورة تولد حية، مكتملة، قوية، قبل أن يوجد الوقت، قبل أن يوجد التاريخ، هي " العقل الفعال"، العقل الواهب للصور، المشكل "للهيولي" : من يعتقد أن صورة السعادة، أو الحرية، ولدت مع الإنسان، أن الإنسان هو الذي خلقها، ينسى كذلك أن أولادنا يولدون أحرارا وسعداء، منذ أن يخرجوا رؤوسهم إلى العالم، أن الصور هي التي تستعبدهم بعد ذلك : إن هذه الصور من الحياة، من القوة، من السحر والفتنة، من القدم، من الغنى بحيث لا يستطيع المرء أن يمنع نفسه من القول " بمتافزيقا للصور" تكون فيها الصورة سابقة على الفكر والمادة، على الإنسان، على الأقل افنسان وقد اكتمل في الحضارة، وبالحضارة،أي يكون فيها المتخيل برزخا، أو وسيطا بين المادة والفكر، بين الوجود بالقوة والوجود بالفعل، على غرار الخيال الوسيط، لدى المتصوفة، بين العيني والمجرد، بدونه لا إمكان لمعرفة المجرد، أي ينتفي ويعمى العيني بانتفائه، كما ينتفي المجرد، إذن كل الوجود، مثلما في نظرية وحدة الوجود عند ابن عربي، في نظرية المطلق عند هيجل، أو في " حلولية" سبينوزا !
ولكن الصورة قد لا تحتاج إلى مثل هذه " المتافزيقا" ليكون لها أصل ومولد، لإظهار أولويتها وتجذرها في الذات، فهناك دراسات كثيرة، تتبث هذا الأمر، يمكن الرجوع إليها. غير أنه قد يكفي وضع قائمة من الصور المتنوعة، أوسع وأكثر من تلك التي وضعنا في البداية ، وتأملها، في الذات وفي الخارج، ليظهر أن للصورة حياة وفاعلية، لكن ليس لها عمر، أن لها استقلالا، لكن ليس لها انفصال عما يجري في الذات، في كل الجسد، كل الوجود !
ولا ينبغي أن تخدعنا نبرة التعالي، أو الرغبة في التميز، لدى بعض الباحثين، من أمثال جلبير دوران، وهو ينتقد "أخطاء" سابقيه، مثل جان بول سارتر ومرسيا إلياد، موحيا أنه يأتي "بالجديد" الذي لم يسبقه إليه أحد، فليس هناك كلام عن الصور، مهما قل شأنه، يمكن أن يصبح " قديما" : ليس هناك صورة واحدة يجري عليها القدم، أي تتجاوز أو تشيخ، فكل الصور شابة، يافعة و جديدة، معاصرة لنا، تماما كالشعر والأساطير، وأحلامنا، فلا يبلى منها، و لا يتجاوز، إلا الزائف والضعيف : كل صورة أصلية، حقيقية، صورة دائمة الشباب والحيوية، متجددة الحياة، أبدية وسرمدية.
وكذلك مقاربات الصور، في الأحلام مثلا، فليس " تفسير الأحلام الكبير " لابن سرين، أو" مفتاح أحلام" جعفر الصادق، ولا التفسير الشعبي للأحلام، أقل قيمة، أو أفضل، من التفسير المصري، أو االبابلي، أو اليوناني، أو " علم الأحلام الحديث"، فكل واحدة من المقاربات كانت تفسر الأحلام وتكفي أهلها ووقتها، بل مازالت قيمتها مستمرة، ولكن التقدم الذي حصل، على هذا المستوى، إنما يتجلى في أمور ثلاثة أساسية :
أولا، لم يعد هناك فرق، في الطبيعة والغاية والقيمة، بين الصور في الحلم، اليقظة أو المنام، والصور في الأساطير والحكايات، والصور في الآداب والفنون، وإنما أصبحت كلها تنتمي إلى حقل المتخيل : خزان الصور ومبدعها هو المتخيل؛ تجمع الصور والعلاقات بينها، كتجمع حي، دينامي.
ثانيا، تراكم الصور، والمعلومات عن الصور، القديم منها والحديث، وإذن التوسع الكبير في الإحاطة بعالم المتخيل، منحتنا معرفة عظيمة بالذات البشرية، وبتطلعاتها الأصلية، أي بإنسانيتها، فلم تعد الحداثة تقاوم، من جهة التعقل والتطلع، وتستصغر لا تطلعات الذات ولا المتخيل، ولكن الحداثة اليوم لا يمكن أن تستمر، ولا أن تقوم، بدون دمج المتخيل في معنى الحياة وفي التعقل.
ثالثا، ليست الصورة مجرد علامة، علاقة بين دال ومدلول، وفي أحسن الأحوال مرتبطة بمعان متضمنة، ولكن الصور لغة قائمة الذات، الصورة حياة، لها بنية ثابتة ومتحركة في الآن نفسه، حياة الذات، أو المتخيل، في أوسع وأغنى معانيها، يقول الشاعر:
إني سمعت عجيبا كنت أحسبه
طيفا من النوم أو هجرا من السمر
لما ألفت به ألفيت صحته
وقد رأيت ألوفا مثل ذي العبر
ولنتأمل الصور التالية : امرأة حامل تحك خذها، وهي تنظر إلى تفاحة، فيزداد لها ولد، أو بنت، على خذه صورة تفاحة ؟ امرأة، تحترف السحر، تحمل إبرة تعبث بواسطتها في صورة شخص، عضوا عضوا، ونقطة نقطة، من هذا الجسد في الصورة، معتقدة أنها تمارس التعذيب على الجسد الفعلي لصاحب، أو صاحبة، الصورة ؟ وهذا الفتى الذي يسرق شعرة من رأس فتاة فيربطها بثمرة يضعها في غار نمل ليأكل الحب قلب الفتاة كما يأكل النمل شعرها مع الثمرة ؟ وهذه البنت التي تناجي صورة الحبيب وكأن صورته هو ، كأنه حاضر في الصورة؟ وهذه الأرملة التي كلما تكلمت عن شيء " جدي" ترفع وجهها إلى صورة الفقيد المعلقة على الجدار، وكأنها تشهده أو تستنجد به، قائلة:- أبوكم غير موافق على هذا السلوك، رأيه أنه... ؟ وهذا الرجل الذي يطوف بضريح متضرعا : يا رب !؟ وتلك التي تخاطب تمثال العذراء، أو تمثال المسيح، أو صخرة لاله ميمونه، كل من يقبل أية أيقونة أو يستعطفها ؟ وهذا الثمر، أو "الشريحة"، هذا الماء، هذا القماش، هذا الظفر، هذا الدم، كل هذه الأشياء التي نعتبرها محملة بالبركة، بالذكرى، بالأمل، بالقوة، بالسحر، بالرعب أو السكينة؟
ماذا يجمع بين هذه الصور ويجعلها ممكنة؟ و ماذا يجمع بين حلم، نعيشه كفيلم في الداخل، وبين فيلم، نعيشه كحلم في الخارج ؟ وصور النجوم، والزعماء، على الشاشة أو على الجدران ؟ وهذه الصور التي نشاهدها، على شاشة السينما والتلفزيون، وتلك التي تجري في نفس الوقت، في داخلنا ؟ وصوري الشمسية، التي هي أنا والتي ليست أنا ؟ وهذه اللوحة التي أرجعتني مشاهدتها إلى ذكريات، لم " أعد أذكرها"، أو خلقت في صورا تحدث في مستقبل، لم" أعرفه بعد"، ماذا أشاهد فيها حقا ؟ وهذه الأخرى، التجريدية هذه المرة، "الفارغة"، من كل "انعكاس" أو " واقع"، كيف تستغرقني بهذا الشكل العميق، وكيف أجد في هذه الخطوط أو الدوائر، في هذا « اللعب »، أو "العبث"، كل هذه التورية العجيبة، كل هذه الحياة، كأنها "روائز رورشاش" ؟
نحاول أن نثير الاهتمام إلى ثلاثة أمور :
أولا، إن للصورة حياة ودينامية، حياة خاصة، عميقة، وخصبة، لأنها متعددة وقوية، أي فاعلة.
ثانيا، إن هذه الحياة، أو الفاعلية، منسجمة، أو متناسقة، مع ذاتها، من جهة، أي مع طبيعتها كمتخيل، و متكاملة، كما يمكن أن تتناسق وتتكامل منشآت العقل، ولكنها متناسقة كذلك ومتكاملة، أي متضامنة، مع حياة العقل، فالذات التي تنشئ الصور وتتفاعل بها، أو تنفعل معها، هي نفسها التي تخلق الأفكار.
ثالثا،، ليست صور المتخيل الأصلية " قديمة" أو " جديدة"، مثل فكرة أو نظرية، مثل آلة أو جهاز، ولكنها عتيقة ـ راهنة دائما، رغم تعددها و"تجددها" المستمرين !
رابعا، إن حياة الصور حياة مستقلة، بسبب دينامكيتها وخصبها، أي أن المتخيل، كدينامية وفاعلية، ليس تابعا لأية قدرة أو ملكة أخرى خارجة عنه، عن طبيعته وعمله.
وعلى العكس من ذلك تماما فإن المتخيل، بسبب سيطرة الصور في كل زمان ومكان، وعلى جميع مستويات الحياة، الباطنية والخارجية، وإن بدا أن هذه السيطرة أكبر، في وقتنا الراهن، هو الذي قد يخضع مجالات أخرى لهيمنته وتوجيهه : إن حياتنا، الشخصية أو الاجتماعية، وسواء كنا شعراء وعلماء أو مجرد أشخاص عاديين، قد تخضع للعديد من الصور " العتيقة" و" الحديثة" فتعمل على توجيهها، وتنبيهها أو تنويمها، بهذا الشكل أو ذاك.
ولهذا فإن حياة الصور الدينامية ليست فقط حياة هذه الصور، ولكنها، قبل كل شيء، حياتنا كبشر، يحلم أو يتصور أو يعمل، أي نظرة إلى الوجود، طريقة في التعامل معه، شكل من أشكال تقطيعه والفعل فيه والانفعال به، أعقد وأعمق، ربما، من أي شكل آخر، ولكنها، بكل تأكيد، شكل فاعل، نشط وحي، في كل وقت، حتى في أعماق النوم.
وفي زمن " ثورة الصورة"، أي تطورها وهيمنتها، الذي يقال إننا نعيشه اليوم، تزداد أهمية المتخيل وخطورته في حياتنا لأن هذه الثورة، وبواسطة المتخيل وإليه، تمرر نمط عيش خاص، أي تفرض علينا فلسفة معينة، وسلوكا معينا، في حياتنا العامة والخاصة، تفرض سياسة، تصورا معينا للمجتمع، للإنسان.
لذلك يشكل الاشتغال بالمتخيل جزءا لا يتجزأ من الاشتغال بالحداثة، بالمعاصرة، من نشاط العقلانية، الشاملة واليقظة، في الثقافات الحديثة، وأية ثقافة لا تهتم بمتخيلها لم تدخل بعد الحداثة، لم تهضم بعد العقلانية.
فليست العقلانية هي تعقل ما هو موضوعي، من ناحية العلم والتكنولوجية، فقط، لكنها تعقل لقوى الذات ولعملها في وبالمتخيل؛ تعقل العالم ما كان ليفيد بدون تعقل الذات، كما تعبر عن نفسها في المتخيل، لأن أكبر إنجاز للحداثة ليس فقط إخضاع العالم الموضوعي وامتلاكه ذهنيا، بالعقل، وعمليا، بالتكنولوجية، ولكنه كذلك تعقل قوى الذات وتطلعاتها !
وقد يكون هذا أعظم من الأول لأن بدونه كان الإنسان سيظل مجرد حيوان ازدادت أنيابه قوة، وتضخم عقله، ولكن بدون ازدياد معنى الحرية، والسعادة، والمسؤولية، بدون اكتمال جوهره، أو إمكاناته، بدون ذات تريد، وتعرف ما تريد، ماذا يدفعها ولماذا : التطور الهائل في معرفة الذات، والتحكم فيها، والاحتفاء بها، والاستمتاع معها وبها، كما ستعكسه وتعبر عنه الفنون والآداب بصفة خاصة، وتقننه حقوق الإنسان، مثل الحق في الحرية والكرامة والسعادة والمساواة، تلك التي لم يخل منها أي مشروع أدبي أو فني أو فلسفي، أي حلم بشري مضمر أو معلن، ذلك التطورهو الغاية القصوى من كل امتلاك عقلي، أومادي تقني، لما هو موضوعي في العالم، ولو زاغ أو حول عن أصله من حين لآخر، فالمهم ألا يستلبنا، وألا ينسينا أن غاية الإنسان العظيمة في الحياة هي السعادة، مع السعادة في الآخرة، بالنسبة للمؤمن بدين معين، أو بدون : صورنا الفاعلات، الخالدات!
بهذا التحري والاستقصاء المتجدد نستطيع أن نفهم حتى بعض الجوانب المتعلقة بانتكاساتنا وخيبات أملنا في السياسة والحب!
لهذا ينبغي أن نفهم المتخيل، و كيفيات اشتغاله، في الذات، بصفة خاصة، والثقافة، بصفة عامة، وأن نستعيد معناه الحقيقي، الذي يطاله الكثير من التعويم أو الاختزال، لإعادة إدماجه في فضائنا الثقافي بشكل إيجابي ومنتج.
والخلاصة أن مجال المتخيل يمتد إلى ثلاثة مجالات ويتفاعل فيها: صور الأحلام، والتخييل، مثل الأدب والسينما، والأساطير، حتى تلك التي توصف بالخرافات، فليست هناك خرافة هي بالفعل مجرد خرافة!
وأما مادة المتخيل، وأداة عمله، أو اشتغاله، فهي الصور بالمفهوم الذي اشرنا إليه سابقا. والواقع أن علينا أن نميز في الصور بين الصور السطحية، المتجددة، كما هو الشأن مثلا بالنسبة للصور البلاغية، والصور العميقة، أو الأصلية، أو الأولية، أو العتيقة، التي تظل تابة، ولو مس عناصرها بعض التغيير، والتي تسمى كذلك النوذجية لأن منها تستمد الصور المتجددة مادتها وطرازها. هذه الصور العميقة هي التي تشكل المتخيل بحصر المعنى. ولكن لابأس من أن يوسع هذا المعنى ليشمل كل الصور إذا كانت من وراء هذا التوسع فائدة إجرائية، كما فعلنا في بداية هذا التقديم!

* نقلا عن Google Knol
avatar
Mohammad Al Nwihi
ادارة المنتدى
ادارة المنتدى

ذكر
عدد الرسائل : 5349
العمر : 35
البلد : الأردن
الوظيفة : طالب جامعة - بكالوريوس إدارة أعمال - سنة ثالثة
المزاج : حسب الظروف
الأوسمة : صور أرسطو وأصحابه ... الصورة والعلة !!! A7lawesam2008_2

بياناتك الشخصية
حدثنا عن نفسك: أشياء تتقن فعلها

https://a7lasbab.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

sp رد: صور أرسطو وأصحابه ... الصورة والعلة !!!

مُساهمة من طرف زائر 2008-11-24, 3:20 pm

شكرا كتير محمود وارجوا تقبل مروري
Anonymous
زائر
زائر


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى